الدكتور قندول إبراهيم قندول يكتب.. هل سيحقق معارضو أبناء النوبة بالخارج ما لم يتحقق؟
المعارضة في النظُم السياسيَّة لها رؤية فكريَّة (برنامج) أو أيدولوجيَّة (عقيدة) وأهداف ووسائل تحقيقها، وقد تكون داخل أو خارج الدولة. وما يهمنا (مجازاً) معارضة بعض “أبناء النُّوبة” بالخارج للحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لتحرير السُّودان – شمال، دون برامج واضح، بديل لبرامج الحركة الشعبيَّة كمنفيستو ودستور يستهدون بهما. فإطلاق مصطلح “مجازاً” عليهم لم يكن عن فراغ لأنَّنا بحثنا في تاريخ المعارضة السياسيَّة السُّودانيَّة وغيرها فلم نجد حزباً معارضاً واحداً للنظام القائم وفي نفس الوقت يعارض نفسه إلا من بعض “أبناء النُّوبة”. صحيح في حال السُّودان تُوجد انقسامات داخل الأحزاب، ولكنها أخذت أسماءً خاصة بها بالحذف من أو الإضافة إلى الاسم الأصلي أو التغيير الكامل ليميِّزها، ففريقاً مع الحكومة وفريقاً ضدها. الأمثلة كثيرة. وسنضرب فمثلاً بحزب الذي انقسم إلى: حزب الأمة برئاسة الصادق (سابقاً)، وحزب الأمة – الإصلاح والتجديد، برئاسة مبارك الفاضل، وحزب الأمة الوطني برئاسة عبد الله مسار. أهداف هذه الأحزاب واحدة، وتتبادل أدوارها لتحقيق الأهداف الواحدة. هذا المثال يضع جميع “أبناء النُّوبة” المنتمين للحركة الشعبيَّة في المحك، والقلة من المعارضة الخارجيَّة منهم في “فتيل”، فكل من ينتمي إلى النُّوبة عرقيَّاً، ثوري أو غير ذلك، فهو موضع الشك أو يطلق عليه كلمة متمرِّد، أو طابور خامس، أو عنصري أو تابع للحركة الشعبيَّة دون استثناء مهما أفصح في صياحه من على المنابر لغة، بالتهليل والتكبير، وبالنثر والشعر وبالأدب وظهر في وجهه أثر السجود.
معارضة “أبناء النُّوبة” بالخارج للحركة الشعبيَّة والجيش الشعبي لم تحاول إضافة شيئاً إلى اسم حزبها ليُميِّزه عن الحركة الشعبيَّة التي تحارب الحكومة القمعيَّة بأربعة طرق: قوة السلاح بواسطة الجيش الشعبي، والدبلوماسيَّة، والتفاوض والمشاركة في الانتفاضة الشعبيَّة عن طريق الحركة الشعبيَّة كمؤسسة سياسيَّة مدنيَّة مدعومة بالجيش الشعبي. في هذا الجانب يُحمد لدنيال كودي إضافة كلمتي “جناح السلام” لحزبه عندما انسلخ من الحركة، ولكن لم يشفع له ذلك إذ لم ير النُّوبة سلاماً، ولإسماعيل جلَّاب، إذ أضاف جملة “الأغلبيَّة الصامتة” لتنظيمٍ أنشأه الذي لم يحقِّق أي شيء، ولم يصمد طويلاً أمام اغراءات مالك عقار وياسر عرمان، وسرعان ما قام بتفكيك جماعته وانضم إلى الأخيرين في حركتهما التي حافظا فيها على اسم الحركة الشعبيَّة مع إضافة صورتي الشهيدين الدكتور جون قرنق والمعلِّم يوسف كوة مكي في شعار حركتهما. ولكن تهدَّم الصنم واتخذ صانعوه سُبُلاً شتى، وبلغوا من محاولات تجميع قواهم نصباً. إذن، ما عاب المعارضة للحركة أنَّها لم تعارض حكومات الخرطوم ولا الأحزاب التي تظهر عداءً ظاهراً للحركة الشعبيَّة وللنُّوبة، بقوة، مما زاد من عداوة تلك الأحزاب للنُّوبة ولأي تنظيم يدعمونه بصورة كبيرة. وينطبق هذا على ما ُسمى معارضة بعض “أبناء النُّوبة” بالخارج.
فالحق، والحق يُقال، المعارضة الخارجيَّة لبعض “أبناء النُّوبة” للحركة الشعبيَّة تثير شكوكاً كثيرة بأنّها مأجورة ومستّغَلة بواسطة حكومة الأمر الواقع. بيد أنَّنا لم نسمع قط أنَّ المعارضة الخارجيَّة للأحزاب السُّودانيَّة الشماليَّة عملت ضد أحزابها التي تعارض الدولة من الداخل، إلا إذا تماهت وانصهرت علانية في الحكومة، وقلما يحدث ذلك. فالشيء بالشيء يِذكر، ففي السابق تعاملت أحزاب جنوبيَّة في الداخل مع حكومات الأمر الواقع في الخرطوم، وكان يعمل مؤيدوها في الخارج لدعمها وفي ذات الوقت دفعت بقضية “جنوب السُّودان” إلى الأمام مما ساعد بطريقة مباشرة في تعجيل حل “مسألة الجنوب”. موقف الإخوة الجنوبيين، مختلفٌ نوعاً من مواقف بعض “أبناء النُّوبة”، الذين يعملون بدراية أو بدونها في عدم إبراز قضيتهم المحوريَّة مما أدى إلى تأخير حلها.
الغريب والمحبط في آنٍ واحد هو، كلما ظهرت بوادر وتضافرت الجهود لاقتلاع السُّودان القديم واحلال محله السُّودان الجديد بمقدار نتائج ما سينبثق من تحالفات الحد الأدنى كما ورد في البند الأول من الإعلان السياسي وبين الحركة الشعبيَّة والكتلة الديمقراطيَّة. الإعلان السياسي الذي فجَّر غضب الأخ “ناصر جانو”، بالمملكة المتحدة، وبالتأكيد تنظيمه السياسي الذي ينتمي ففي حين تتوافد الأحزاب والتنظيمات السياسيَّة والمدنيَّة بتشكيلاتها المختلفة إلى الحركة الشعبيَّة بغية التحالف معها، لأنَّها هي القوة الوحيدة المتماسكة في الساحة السياسيَّة الآن، وحين تتطلع جهات ومنظمات المجتمع المدني للتحالف معها، وعندما يأمل بعضها في أنَّ الخلاص منها، تعلو الصيحات والأصوات مما تُسمى بالمعارضة الخارجيَّة للحركة الشعبيَّة. حالة “ناصر جانو” ليست استثنائيَّة، وقد يستغلها البعض في مشاكسة الحركة الشعبيَّة بسبب أو بدون سبب واضح، أو لأسباب شخصية فرديَّة، وبذلك يخلطون الخاص بالعام. ما فات على “ناصر جانو” أنَّه فقد حصافته السياسيَّة ليلفظ ، بلغة سافرة في نقده الشخصي للقائد عبد العزيز آدم الحلو، وبالضرورة من يساندونه من أبناء النُّوبة وغيرهم. نعم، أنَّه صبَّ جم غضبه عليهم وهو ومن معه يظنون أنَّهم يحسنون عملاً. ولعلَّنا بالإشفاق من المكروه، سنحاول تفنيد بعض المزاعم التي وردت في بيانه بعيداً عن الشخصنة، ما لم تقتض الضرورة، وللضرورة أحكام.