مشاكل نفسية وحالات طلاق.. تداعيات مابعد الحرب السودانية


مشاكل نفسية وحالات طلاق.. تداعيات مابعد الحرب السودانية

تقرير : آمنة حسن

لم تقتصر أضرار الحرب في السودان على الخسائر البشرية والإقتصادية، وفقدان الأسر لمنازلهم وأموالهم ومصادر رزقهم بل تعدى الأمر إلى التفكك الأسري، فقد شهدت معظم ولايات السودان خلافات ونزاعات أسرية كبيرة وصغيرة، وصلت في بعض الأحيان إلى انفصال الأزواج ومقاطعات بين الأهل،إضافة إلى الآثار النفسية السيئة التي أنعكست على الأطفال والشباب بسبب شعورهم بالضياع والسير نحو المجهول .

أوضاع قاسية
بينما كنا نتجاذب أطراف الحديث انا وصديقتي (ن) قالت لي وهي تضحك : (لم أخبرك ماذا قال لي (م) ؟ تقصد زوجها، قال : لديه اتنين من أصدقاءه طلقوا زوجاتهم بسبب التلفونات لأنهن طوال اليوم موجودات على وسائل التواصل الإجتماعي، وأضافت طبعاً هذا تنبيه لي لأنني أفعل ذات الشيء،وأضافت قائلة: انا أيضًا أشعر بالتعب والإرهاق وأتمنى ان يطلقني.؟!
والأمثلة كثيرة جداً لحالات طلاق ومشاكل وخلافات أسرية بشكل عام، سواء كانت بين الأشقاء أو الآباء والأمهات والأقارب وعلاقات النسب، فقد أضطرت ظروف الحرب ان تعيش بعض الأسر مع أقاربهم او مع زوجة إبنهم او الزوجة مع أهل زوجها وهكذا، في ظل ظروف اقتصادية صعبة وقاسية وبيوت قد تكون صغيرة وضيقة، كل ذلك يضاف إلى الحالة النفسية السيئة جراء خروج الناس من منازلهم وخسارة وظائفهم وأعمالهم وكل أموالهم ومدخراتهم.

حالات إكتئاب
وفي نقاشي مع بعض الأخصائيين النفسيين أفادتنا الدكتورة /إسراء كلمون (اختصاصي علم النفس والكوارث والنزاعات ومحاضر بعدد من الجامعات السودانية) بأن معظم الشعب السوداني يمر بحالة اكتئاب نتاج لصدمة الحرب وجرائم الحرب،وتوجد حالات من الهلع والتوتر ومتلازمة الأسلحة التي سببت لهم التلوث السمعي والتي ادت إلى اضطرابات النوم، يشعرون بالإرهاق في هذه الفترة لشعورهم بفقدان بوصلة التوازن النفسي بسبب التغيير الإجباري للأوضاع الطبيعية.
وقالت إسراء لصحيفة آيزنيوز ان الشباب هم الأكثر عرضة للصدمات والانهزام النفسي في هذه الفترة لذلك اناشدهم بالصبر والتحمل حتى لا يسيطر عليهم اضطراب المجهول لانه سيؤدي إلى التشتت وعدم تركيز، بل عليهم التركيز على كيفية تغيير الواقع إذا الدراسة استعصت عليك في منطقة ابحث في منطقة أخرى وكذلك العمل حاول في كل مكان بدون إستسلام.
وأيضاَ اريد التحدث عن فئة الأطفال وهم يسيطر عليهم نوع من الحزن الشديد انعكست في لعبهم والصراخ بصوت عالي هستيري والتصرفات العدوانية، لذلك على الأسرة والمسؤولين في مراكز الإيواء إتباع إستراتيجية الصدمة المرتبطة بالحرب وأهم ما فيها هو التحمل والصبر لاننا نريد أن نخرج جيل على الاقل معافى على الاقل بنسبة ٧٠٪، ولابد ان نستخدم وسائل التفريغ عبر المناشط التي تعبر عن ذاتهم ومعاناتهم، نعلمهم كيفية التنفيس لأنها مراحل تكوين شخصية لابد أن تعتني بهم واناشد الأمهات ان يصبروا عليهم فإذا صرخ طفلك لا تصرخي انتي ايضًا، نحاول أن نكون لطيفين معهم لأنهم جيل المستقبل.

نسب طلاق مختلفة
أما بالنسبة لحالات الطلاق قالت كلمون بأن معظم ولايات السودان تمر بعدم إستقرار أدى إلي تعطيل المحاكم والقضاء لكن لكي نصل إلى نسبة صحيحة لابد ان نعود لآخر خمس سنوات حيث سجلت ولاية الخرطوم أعلى نسبة 93,119 بعدها القضارف، النيل الأبيض،الجزيرة، نهرالنيل، شمال كردفان، غرب كردفان، شمال دارفور . وكان عدد الحالات 60 ألف في 2019 بعدها تناقصت النسبة في 2020 كانت 47 ألف حالة ثم ظهر ارتفاع ملحوظ في 2021 وكان 64 ألف حالة وارتفعت في نفس العام الي 70 ألف، وارتفعت نسبة الطلاق قبل الحرب مباشرة 2022 كانت 7 حالات على مدار الساعة الواحدة.
وآخر تقرير رصدته منظمة لبنة 11 حالة على رأس الساعة الواحدة لكنها إحصائية عشوائية لانعدام الأمن والاستقرار فالمتوسط كبير لكن ليس لهذه الدرجة، ولانستطيع ان نكون دقيقين في ظل الوضع الراهن.
وانا الآن في ولاية كسلا لاتوجد حالات طلاق كثيرة في مراكز الإيواء لكن توجد حِدة في التعامل بين الأسر نسبة للظروف الضاغطة التي يمرون بها.

زواج هش
وقال الإختصاصي النفسي دكتور يوسف محمد الحسن لصحيفة آيزنيوز أن نسبة الطلاق بدأت في الارتفاع قبل الحرب في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة وليس في السودان فقط بل في كل الوطن العربي، وبعد الحرب تعرض الناس لضغوط كبيرة وكثير من الأزواج لم يصمدوا أمام هذا الإمتحان الحقيقي للحياة الزوجية، لكن الزواج المبني على اساس متين من التفاهم والحب من الطبيعي أن يصمد في وجه الضغوط أما الزواج الهش وغير مبني علي أساس سليم فأنه في ظل هذه الظروف تظهر الفوارق الخاصة مثل الأنانية لان الحرب أضافت معطيات جديدة من بينها العجز في الصرف،
ثانيًا الإختلاف في تقرير المصير الزوجة تريد أن تسافر خارج السودان والزوج لايريد، هي تريد أن تسكن مع أهلها وهو يرفض وهكذا، إضافة إلى زوال نظام الأسرة الممتدة الذي كان داعماً وسنداً للأسر الصغيرة، إضافة إلى أن الحرب نفسها اتاحت فرص جديدة عبر السفر والعيش في مناطق و دول جديدة وجدوا فيها الحياة مختلفة فيشعر الزوج او الزوجة وكأنها كانت في سجن يجب التخلص منه للأبد،كما أنه ظهرت فرص جديدة بالنسبة للرجال عبر الزواج في الاقاليم الذي يعتبر أقل تكلفة وبدون عوائق فبعض الأزواج تزوجوا للمرة الثانية، أيضا الضغوط بسبب مستقبل الأبناء توقف الدراسة وصعوبة التربية، كل هذه الضغوط تسببت في إرتفاع نسبة الطلاق والمشاكل الأسرية.

ضغوط متعددة
وقالت صديقة مبارك كبيدة اختصاصي واستشاري نفسي لصحيفة آيزنيوز، ان الحرب كانت سببًا في الصدمة النفسية والإضطراب مثل القلق والاكتئاب، هذه الاضطرابات كان لها أثر سلبي على العلاقات الزوجية حيث أصبح التفاهم والتواصل بين الزوجين أكثر صعوبة ، ثانيا الضغط الاقتصادي والمادي لان الحروب عادة تؤدي إلى التدهور الإقتصادي ما يفرض ضغوطًا مالية كبيرة على الأسر وتؤدي إلى توترات بين الأزواج حيث يصبح الحصول على الحاجات الأساسية للأسرة أمر صعب وهذا واضح بالنسبة للأسر النازحة، ثالثًا الفقدان والتغيرات العائلية الحرب أدت إلى فقدان أفراد او تعرضهم لإصابات جسدية ونفسية خطيرة وهذا بدوره يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في مكونات الأسرة وتغير في الأدوار الإجتماعية والجندرية فقد تجد النساء أنفسهن في مواقف قيادية لإعالة للأسرة مما يؤدي إلى صراعات مع الزوج إذا لم يكن هناك توافق حول هذه التغيرات.

نصائح وإرشادات
وأضافت صديقة انه لتدارك هذه المشاكل لابد أن يكون هنالك تواصل مستمر وصريح ومفتوح بين أفراد الأسرة للتغلب على الصعوبات،ويجب على الأزواج تحديد وقت للتحدث عن مخاوفهم مشاكلهم، ولابد من اللجوء إلى الدعم النفسي والاستشارات لأنها تساعد كثيرا على التعامل مع الصدمة النفسية الاضطرابات، وأيضا الإعتماد على شبكات الدعم الإجتماعي من خلال الأسرة والأصدقاء لأنهم أيضا يوفرون إحساس بالأمان وتقليل التوتر داخل الأسرة، إضافة إلى التخطيط المالي فهو واحد من المعالجات لتجاوز الازمات الاقتصادية، واللجوء إلى مؤسسات تساعد في الجانب المالي،وأخيرًا إعادة بناء الثقة بين أفراد الأسرة خاصة إذا كان هناك ضرر كبير يتطلب منهم وقت وجهد كبير، ولابد من تعاون جميع الأطراف َلتفهم التحديات التي تواجههم والظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب.

ختاماً يجب تدارك هذه المشاكل ومحاولة الحد منها عن طريق الإرشاد النفسي والجلوس على طاولة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، وعدم التردد في الذهاب إلى الاختصاصيين النفسيين والإجتماعيين.

شاركها على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.